فصل: مَذْهَبُ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.مَذْهَبُ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ:

وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التّفْرِيقِ مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ وَقَدْ تَنَاظَرَ فِيهَا مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فَقَالَ مَالِكٌ أَدْرَكْتُ النّاسَ يَقُولُونَ إذَا لَمْ يُنْفِقْ الرّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فُرّقَ بَيْنَهُمَا. فَقِيلَ لَهُ قَدْ كَانَتْ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ يُعْسِرُونَ وَيَحْتَاجُونَ فَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ النّاسُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ إنّمَا تَزَوّجَتْهُ رَجَاءً. وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنّ نِسَاءَ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ كُنّ يُرِدْنَ الدّارَ الْآخِرَةَ وَمَا عِنْدَ اللّهِ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُنّ الدّنْيَا فَلَمْ يَكُنّ يُبَالِينَ بِعُسْرِ أَزْوَاجِهِنّ لِأَنّ أَزْوَاجَهُنّ كَانُوا كَذَلِكَ. وَأَمّا النّسَاءُ الْيَوْمَ فَإِنّمَا يَتَزَوّجْنَ رَجَاءَ دُنْيَا الْأَزْوَاجِ وَنَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ فَالْمَرْأَةُ إنّمَا تَدْخُلُ الْيَوْمَ عَلَى رَجَاءِ الدّنْيَا فَصَارَ هَذَا الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ وَكَانَ عُرْفُ الصّحَابَةِ وَنِسَائِهِمْ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ وَالشّرْطُ الْعُرْفِيّ فِي أَصْلِ مَذْهَبِهِ كَاللّفْظِيّ وَإِنّمَا أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ كَلَامَهُ هَذَا مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ وَيَفْهَمْ غَوْرَهُ.

.مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالْحَبْسِ فِي الْإِعْسَارِ:

وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ الزّوْجَ إذَا أَعْسَرَ بِالنّفَقَةِ حُبِسَ حَتّى يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ وَهَذَا مَذْهَبٌ حَكَاهُ النّاسُ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيّ قَاضِي الْبَصْرَةِ. وَيَالَلّهِ الْعَجَبُ لِأَيّ شَيْءٍ يُسْجَنُ وَيُجْمَعُ عَلَيْهِ بَيْنَ عَذَابِ السّجْنِ وَعَذَابِ الْفَقْرِ وَعَذَابِ الْبُعْدِ عَنْ أَهْلِهِ؟ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وَمَا أَظُنّ مَنْ شَمّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ يَقُولُ هَذَا.

.مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ مِنْ تَكْلِيفِ الْمَرْأَةِ الْإِنْفَاقَ عَلَى الزّوْجِ إذْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ:

وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ الْمَرْأَةَ تُكَلّفُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي مُحَمّدِ ابْنِ حَزْمٍ وَهُوَ خَيْرٌ بِلَا شَكّ مِنْ مَذْهَبِ الْعَنْبَرِيّ. قَالَ فِي الْمُحَلّى: فَإِنْ عَجَزَ الزّوْجُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتُهُ غَنِيّةٌ كُلّفَتْ النّفَقَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِعُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَيْسَرَ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلّفُ نَفْسٌ إِلّا وُسْعَهَا لَا تُضَارّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [الْبَقَرَةَ 233] فَالزّوْجَةُ وَارِثَةٌ فَعَلَيْهَا النّفَقَةُ بِنَصّ الْقُرْآنِ. وَيَا عَجَبًا لِأَبِي مُحَمّدٍ لَوْ تَأَمّلَ سِيَاقَ الْآيَةِ لَتَبَيّنَ لَهُ مِنْهَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنّ وَكِسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ} وَهَذَا ضَمِيرُ الزّوْجَاتِ بِلَا شَكّ ثُمّ قَالَ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عَلَى وَارِثِ الْمَوْلُودِ لَهُ أَوْ وَارِثِ الْوَلَدِ مِنْ رِزْقِ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتِهِنّ بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ مَا عَلَى الْمَوْرُوثِ فَأَيْنَ فِي الْآيَةِ نَفَقَةٌ عَلَى غَيْرِ الزّوْجَاتِ؟ حَتّى يُحْمَلَ عُمُومُهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ.

.حُجَجُ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ:

وَاحْتَجّ مَنْ لَمْ يَرَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتَاهُ اللّهُ لَا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلّا مَا آتَاهَا} [الطّلَاقَ 7] قَالُوا: وَإِذَا لَمْ يُكَلّفْهُ اللّهُ النّفَقَةَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَقَدْ تَرَكَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُبّهِ وَسَكَنِهِ وَتَعْذِيبِهِ بِذَلِكَ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَاهُ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النّفَقَةَ فَقُمْتُ إلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ هُنّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا وَقَامَ عُمَرُ إلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ وَاَللّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا أَبَدًا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمّ اعْتَزَلَهُنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهْرًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالُوا: فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا يَضْرِبَانِ ابْنَتَيْهِمَا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ سَأَلَاهُ نَفَقَةً لَا يَجِدُهَا. وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَضْرِبَا طَالِبَتَيْنِ لِلْحَقّ وَيُقِرّهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَا حَقّ لَهُمَا فِيمَا طَلَبَتَاهُ مِنْ النّفَقَةِ فِي حَالِ الْإِعْسَارِ وَإِذَا كَانَ طَلَبُهُمَا لَهَا بَاطِلًا فَكَيْفَ تُمَكّنُ الْمَرْأَةُ مِنْ فَسْخِ النّكَاحِ بِعَدَمِ مَا لَيْسَ لَهَا طَلَبُهُ وَلَا يَحِلّ لَهَا وَقَدْ أَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ صَاحِبَ الدّيْنِ أَنْ يُنْظِرَ الْمُعْسِرَ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَغَايَةُ النّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا وَالْمَرْأَةُ مَأْمُورَةٌ بِإِنْظَارِ الزّوْجِ إلَى الْمَيْسَرَةِ بِنَصّ الْقُرْآنِ هَذَا إنْ قِيلَ تَثْبُتُ فِي ذِمّةِ الزّوْجِ وَإِنْ قِيلَ تَسْقُطُ بِمُضِيّ الزّمَانِ فَالْفَسْخُ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ. قَالُوا: فَاللّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقّ الصّبْرَ عَلَى الْمُعْسِرِ وَنَدَبَهُ إلَى الصّدَقَةِ بِتَرْكِ حَقّهِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَجَوْرٌ لَمْ يُبِحْهُ لَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى لَهَا سَوَاءً بِسَوَاءِ إمّا أَنْ تُنْظِرِيهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَإِمّا أَنْ تَصّدّقِي وَلَا حَقّ لَكِ فِيمَا عَدَا هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. قَالُوا وَلَمْ يَزَلْ فِي الصّحَابَةِ الْمُعْسِرُ وَالْمُوسِرُ وَكَانَ مُعْسِرُوهُمْ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مُوسِرِيهِمْ فَمَا مَكّنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَطّ امْرَأَةً وَاحِدَةً مِنْ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا وَلَا أَعْلَمَهَا أَنّ الْفَسْخَ حَقّ لَهَا فَإِنْ شَاءَتْ صَبَرَتْ وَإِنْ شَاءَتْ فَسَخَتْ وَهُوَ يُشَرّعُ الْأَحْكَامَ عَنْ اللّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ فَهَبْ أَنّ الْأَزْوَاجَ تَرَكْنَ حَقّهُنّ أَفَمَا كَانَ فِيهِنّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تُطَالِبُ بِحَقّهَا وَهَؤُلَاءِ نِسَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يُطَالِبْنَهُ بِالنّفَقَةِ حَتّى أَغْضَبْنَهُ وَحَلَفَ أَلّا يَدْخُلَ عَلَيْهِنّ شَهْرًا مِنْ شِدّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنّ فَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَقِرّ فِي شَرْعِهِ أَنّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا لَرُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ رُفِعَ إلَيْهِ مَا ضَرُورَتُهُ دُونَ ضَرُورَةِ فَقْدِ النّفَقَةِ مِنْ فَقْدِ النّكَاحِ وَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إنّي نَكَحْتُ بَعْدَ رِفَاعَةَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ الزّبَيْرِ وَإِنّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثّوْبِ. تُرِيدُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ هَذَا كَانَ فِيهِمْ فِي غَايَةِ النّدْرَةِ بِالنّسْبَةِ إلَى الْإِعْسَارِ فَمَا طَلَبَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِالْإِعْسَارِ. قَالُوا: وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ الْفَقْرَ وَالْغِنَى مَطِيّتَيْنِ لِلْعِبَادِ فَيَفْتَقِرُ الرّجُلُ الْوَقْتَ وَيَسْتَغْنِي الْوَقْتَ فَلَوْ كَانَ كُلّ مَنْ افْتَقَرَ فَسَخَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَعَمّ الْبَلَاءُ وَتَفَاقَمَ الشّرّ وَفُسِخَتْ أَنْكِحَةُ أَكْثَرِ الْعَالَمِ وَكَانَ الْفِرَاقُ بِيَدِ أَكْثَرِ النّسَاءِ فَمَنْ الّذِي لَمْ تُصِبْهُ عُسْرَةٌ وَيَعُوزُ النّفَقَةَ أَحْيَانًا. قَالُوا: وَلَوْ تَعَذّرَ مِنْ الْمَرْأَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَرَضِ مُتَطَاوِلٍ وَأَعْسَرَتْ بِالْجِمَاعِ لَمْ يُمَكّنْ الزّوْجُ مِنْ فَسْخِ النّكَاحِ بَلْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ النّفَقَةَ كَامِلَةً مَعَ إعْسَارِ زَوْجَتِهِ بِالْوَطْءِ فَكَيْفَ يُمَكّنُونَهَا مِنْ الْفَسْحِ بِإِعْسَارِهِ عَنْ النّفَقَةِ الّتِي غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ؟ قَالُوا: وَأَمّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ صَرّحَ فِيهِ بِأَنّ قَوْلَهُ امْرَأَتُك تَقُولُ أَنْفِقْ عَلَيّ وَإِلّا طَلّقْنِي مِنْ كِيسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا فِي الصّحِيحِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ. إذَا حَدّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ امْرَأَتُك تَقُولُ فَذَكَرَ الزّيَادَةَ. وَأَمّا حَدِيثُ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِهِ فَأَشَارَ إلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ فِي الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ. قَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْلًا وَأَحْسَنُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا وَالظّاهِرُ أَنّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَأَرَادَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي أَوْ طَلّقْنِي وَأَمّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ الرّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ يُفَرّقُ بَيْنَهُمَا فَوَاَللّهِ مَا قَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا سَمِعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا حَدّثَ بِهِ كَيْفَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلّا طَلّقْنِي وَيَقُولُ هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِئَلّا يُتَوَهّمَ نِسْبَتُهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَاَلّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الشّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنّ الرّجُلَ إذَا غَرّ الْمَرْأَةَ بِأَنّهُ ذُو مَالٍ فَتَزَوّجَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَظَهَرَ مُعْدِمًا لَا شَيْءَ لَهُ أَوْ كَانَ ذَا مَالٍ وَتَرَكَ الْإِنْفَاقَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ كِفَايَتِهَا مِنْ مَالِهِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِالْحَاكِمِ أَنّ لَهَا الْفَسْخَ وَإِنْ تَزَوّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُسْرَتِهِ أَوْ كَانَ مُوسِرًا ثُمّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَلَا فَسْخَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ تَزَلْ النّاسُ تُصِيبُهُمْ الْفَاقَةُ بَعْدَ الْيَسَارِ وَلَمْ تَرْفَعْهُمْ أَزْوَاجُهُمْ إلَى الْحُكّامِ لِيُفَرّقُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنّ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.هَلْ يَثْبُتُ الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ:

وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَا يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ بِالْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ الصّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللّهُ اخْتَارَهُ عَامّةُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ. وَفَصّلَ الشّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ وَأَبُو عَلِيّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَا: إنْ كَانَ قَبْلَ الدّخُولِ ثَبَتَ بِهِ الْفَسْخُ وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ هَذَا مَعَ أَنّهُ عِوَضٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَحَقّ أَنْ يُوَفّى مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ كَمَا دَلّ عَلَيْهِ النّصّ كُلّ مَا تَقَرّرَ فِي عَدَمِ الْفَسْخِ بِهِ فَمِثْلُهُ فِي النّفَقَةِ وَأَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ فِي الْإِعْسَارِ بِالنّفَقَةِ مِنْ الضّرَرِ اللّاحِقِ بِالزّوْجَةِ مَا لَيْسَ فِي الْإِعْسَارِ بِالصّدَاقِ فَإِنّ الْبِنْيَةَ تَقُومُ بِدُونِهِ بِخِلَافِ النّفَقَةِ. قِيلَ وَالْبِنْيَةُ قَدْ تَقُومُ بِدُونِ نَفَقَتِهِ بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا أَوْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا ذُو قَرَابَتِهَا أَوْ تَأْكُلَ مِنْ غَزْلِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَتَعِيشُ بِمَا تَعِيشُ بِهِ زَمَنَ الْعِدّةِ وَتُقَدّرُ زَمَنَ عُسْرَةِ الزّوْجِ كُلّهُ عِدّةً. ثُمّ الّذِينَ يُجَوّزُونَ لَهَا الْفَسْخَ يَقُولُونَ لَهَا أَنْ تَفْسَخَ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ مِنْ الذّهَبِ وَالْفِضّةِ إذَا عَجَزَ الزّوْجُ عَنْ نَفَقَتِهَا وَبِإِزَاءِ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْجَنِيقِ الْغَرْبِ أَبِي مُحَمّدِ ابْنِ حَزْمٍ: إنّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَتُعْطِيهِ مَالَهَا وَتُمَكّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ الْعَنْبَرِيّ بِأَنّهُ يُحْبَسُ. وَإِذَا تَأَمّلْت أُصُولَ الشّرِيعَةِ وَقَوَاعِدَهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَدَفْعِ أَعْلَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا وَتَفْوِيتِ أَدْنَى الْمَصْلَحَتَيْنِ لِتَحْصِيلِ أَعْلَاهُمَا تَبَيّنَ لَكَ الْقَوْلُ الرّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ.

.فَصْلٌ فِي حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ اللّهِ أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ وَلَا سُكْنَى:

رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ فَاطِمَةُ بِنْتِ قَيْسٍ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلّقَهَا الْبَتّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرِ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاَللّهِ مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَمَا قَالَ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْتِ أُمّ شَرِيكٍ ثُمّ قَالَ تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدّي عِنْدَ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ فَإِنّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي. قَالَتْ فَلَمّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْته ثُمّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا: عَنْهَا أَنّهَا طَلّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةً دُونًا فَلَمّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ وَاَللّهِ لَأُعْلِمَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَتْ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الّذِي يُصْلِحُنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْهَا أَنّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا ثَلَاثًا ثُمّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهُ لَيْسَ لَكِ عَلَيْنَا نَفَقَةٌ فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَقَالُوا: إنّ أَبَا حَفْصٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَتْ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ وَأَرْسَلَ إلَيْهَا: أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ وَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى أُمّ شَرِيكٍ ثُمّ أَرْسَلَ إلَيْهَا: أَنّ أُمّ شَرِيكٍ يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ فَانْطَلِقِي إلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَإِنّكِ إذَا وَضَعْتِ خِمَارَكِ لَمْ يَرَكِ فَانْطَلَقْت إلَيْهِ فَلَمّا انْقَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ خَرَجَ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ فَأَرْسَلَ إلَى امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةِ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَأَمَرَ لَهَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ بِنَفَقَةِ فَقَالَا لَهَا: وَاَللّهِ مَا لَكِ نَفَقَةٌ إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ قَوْلَهُمَا فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لَكِ فَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الِانْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ أَيْنَ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ إلَى ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ وَكَانَ أَعْمَى تَضَعُ ثِيَابَهَا عِنْدَهُ وَلَا يَرَاهَا فَلَمّا مَضَتْ عِدّتُهَا أَنْكَحَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا مَرْوَانُ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ يَسْأَلُهَا عَنْ الْحَدِيثِ فَحَدّثَتْهُ بِهِ فَقَالَ مَرْوَانُ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الّتِي وَجَدْنَا النّاسَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ الْقُرْآنُ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {لَا تُخْرِجُوهُنّ مِنْ بُيُوتِهِنّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ} إلَى قَوْلِهِ: {لَا تَدْرِي لَعَلّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطّلَاقَ 1] قَالَتْ هَذَا لِمَنْ كَانَ لَهُ مُرَاجَعَةٌ فَأَيّ أَمْرٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الثّلَاثِ؟ فَكَيْفَ تَقُولُونَ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَعَلَامَ تَحْبِسُونَهَا؟ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ عَقِيبَ قَوْلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: لَا نَفَقَةَ لَك إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا فَاتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا نَفَقَةَ لَكِ إلّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا. صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ طَلّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتّةَ فَخَاصَمَتْهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّكْنَى وَالنّفَقَةِ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ وَفِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ الْعَدَوِيّ قَالَ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ طَلّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي فَآذَنْته فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ ضَرّابٌ لِلنّسَاءِ وَلَكِنْ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ أُسَامَةُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَاعَةُ اللّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ فَتَزَوّجْته فَاغْتَبَطْتُ. وَفِي صَحِيحِهِ أَيْضًا عَنْهَا قَالَتْ أَرْسَلَ إلَيّ زَوْجِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بِطَلَاقِي فَأَرْسَلَ مَعَهُ بِخَمْسَةِ آصُعِ تَمْرٍ وَخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ فَقُلْتُ أَمَا لِي نَفَقَةٌ إلّا هَذَا؟ وَلَا أَعْتَدّ فِي مَنْزِلِكُمْ؟ قَالَ لَا فَشَدَدْتُ عَلَيّ ثِيَابِي وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَمْ طَلّقَكِ؟ قُلْتُ ثَلَاثًا. قَالَ صَدَقَ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ اعْتَدّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمّك ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ فَإِنّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تَضَعِينَ ثَوْبَكِ عِنْدَهُ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدّتُكِ فَآذِنِينِي النّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا النّفَقَةُ وَالسّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرّجْعَةُ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ وَقَالَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ قَالَتْ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً وَقَالَ إنّمَا السّكْنَى وَالنّفَقَةُ لِمَنْ يَمْلِكُ الرّجْعَةَ وَرَوَى النّسَائِيّ أَيْضًا هَذَا اللّفْظَ وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ.